من الأقوى في السنغال: الرئيس باسيرو فاي أم رئيس الوزراء عثمان سونكو؟
قراءة في مراكز النفوذ، جذور التوتر، وتحولات السلطة في السنغال الجديدة
بقلم: عبد الله ولد بونا – خبير استراتيجي
12/يوليو/2025
منذ تعيين عثمان سونكو رئيسًا للوزراء في حكومة الرئيس باسيرو فاي في أبريل 2024، والجدل لا يهدأ حول طبيعة العلاقة بين الرجلين: هل هي شراكة انتقالية متناغمة؟ أم صراع خفي يتجه نحو التصعيد؟
تجربة الرجلين تعيد إلى الواجهة سؤالًا مركزيًا في السياسة: هل تستطيع الدولة أن تُدار برأسين؟ الإجابة النظرية هي لا. لكن في السنغال، الوضع معقد أكثر
دولتان داخل الدولة؟
الرئيس فاي هو رأس الدولة الدستوري، ورمز الاستمرارية السياسية، فيما يمثل سونكو صوت الثورة الشعبية، والزعيم الفعلي لتحالف “باستيف” الذي أوصله إلى السلطة.
هذه الثنائية تعكس تصادمًا في الشرعيات والمفاهيم:
شرعية دستورية هادئة لدى الرئيس افاي
وشرعية شعبية حادة لدى سونكو
وهذا الصدام، على الرغم من كونه متوقعًا، يحمل أبعادًا أعمق من مجرد صراع سياسي.
أبعاد الصراع: من الاقتصاد إلى الدين
الجذور المشتركة والانقسام الداخلي
الرجلان جاءا من نفس الخلفية الإدارية؛ قطاع الضرائب، ومن نفس الفضاء الإسلامي المحافظ، لكنهما يمثلان جناحين متنازعين داخل التيار السلفي
سلفية ثورية راديكالية – تجسدت في خطاب سونكو ومشروعه لتفكيك النظام القديم.
سلفية إدارية معتدلة – أقرب لما يمثله الرئيس فاي، بتوجهاته المعتدلة وعلاقاته الدولية.
هذا الانقسام يعكس حالة مشابهة لما يحدث في المشرق العربي، حيث تتنازع السلفية الرسمية والسلفية الحركية على النفوذ الديني والسياسي، وتجد امتدادها في السنغال كـصورة مصغّرة لصراع الهوية الإسلامية في طور التحول.
النفوذ الخليجي في خلفية المشهد
الخليج حاضر بقوة
السعودية دعمت سابقًا سلفيات محافظة لتطويق النفوذ الصوفي، لكنها الآن تعيد ضبط تموضعها.
في المقابل، تظهر تيارات جديدة مدعومة ضمنيًا من محاور إسلامية مختلفة، بعضها يحاكي ما بعد “الربيع العربي”.
النتيجة أن السنغال أصبح ساحة تنافس ناعم على النفوذ بين تيارات خليجية متباينة الرؤية والتمويل.
البعد الاجتماعي والجهوي للصراع
الشرخ بين فاي وسونكو لا يُقرأ فقط سياسيًا أو دينيًا، بل يتقاطع مع البعد الجهوي؛ فاي من منطقة ديوربيل المركزية، القريبة من النخبة الحاكمة تاريخيًا، بينما سونكو من كازامانس الجنوبية، المعروفة بتاريخها المعارض وهوامشها المهمشة.
وفي البعد الاجتماعي سونكو يمثّل الطبقات الوسطى والفقيرة والشباب الحالم بالتغيير، بينما يميل فاي إلى خطاب النخبة المعتدلة والمؤسساتية.
هذا التباين يعيد إنتاج أسئلة الهوية، والتمثيل، والعدالة الاجتماعية في بنية الدولة.
محركات الخلاف ومؤشرات التصعيد
وراء هذا التوتر بين الرئيس فاي ورئيس وزرائه سونكو، هناك محركات خلاف واضحة ومسرعات تصعيد ملموسة بدأت تظهر في المشهد السياسي السنغالي منها الاختلاف في مقاربة السياسة الخارجية، فالرئيس باسيرو فاي يتبنّى مقاربة متأنية وحذرة، تعتمد على التدرج في إعادة تشكيل علاقات السنغال الخارجية. بواقعية تراعي وضعا اقتصاديا مأزوما وهشاشة سياسية نتجت عن حدة التوتر ماقبا الانتخابات الرئاسية ، أما سونكو، فيميل إلى الخطاب الثوري الصدامي، ويريد قلب الطاولة على علاقات يعتبرها استمرارًا للتبعية الاستعمارية برؤية الثوري الحالم لا رجل الدولة الواقعي
طريقة إدارة الملفات الداخلية
الرئيس فاي يفضل التعامل مع التحديات الداخلية على مراحل، حفاظًا على التوازن الوطني. بينما يدفع سونكو نحو تفجير شامل ومباشر لجميع الملفات دفعة واحدة، معتبرًا التمهل تواطؤًا مع النظام القديم.
الإبقاء على الأحكام القضائية ضد سونكو
هذا العنصر المفصلي يحد من مستقبله السياسي، خصوصًا طموحه الرئاسي. سونكو، الذي يرى نفسه زعيمًا سنغاليًا وإفريقيًا، يعتبر هذه الأحكام قيدًا سياسيًا أكثر منها قانونيًا، ما يُشعل التوتر بينه وبين مؤسسة الرئاسة.
السنغال في طور التحول والوقت عامل حاسم
ما تشهده السنغال ليس مجرد تنازع شخصي بين رئيس ورئيس وزراء، بل مرحلة انتقالية كبيرة من نظام قديم إلى آخر جديد.
هذا التحول التاريخي، بطبيعته، يحتاج إلى زمن أطول للتبلور، وربما إلى جيل سياسي ثالث يعيد بناء قواعد اللعبة. التحدي أن الخطاب المتوتر لسونكو قد يُسرّع الانفجار أكثر مما يُنجز التحول، بينما يبدو فاي محاصرًا بين الحفاظ على الاستقرار والالتزام بمسار التغيير المتدرج.
تجربة سابقة
سينغور وديا، والنتيجة السجن
التاريخ لا ينسى. عام 1962، دخل الرئيس ليوبولد سينغور في صراع مرير مع رئيس وزرائه مامادو ديا، بعد خلاف حول السلطة الاقتصادية والإصلاحات الجذرية.
انتهى الأمر بانقلاب دستوري ناعم: سُجن ديا، وتم تعديل الدستور لإنهاء منصب رئيس الوزراء، وأُرست هيمنة الرئيس على النظام السياسي طويلا.
الدرس يقول أن النظام السنغالي لا يتحمل ازدواجية السلطة طويلًا، والشرعية الشعبية وحدها لا تكفي إن لم تُترجم إلى سيطرة على مؤسسات الدولة.
مقارنة واقعية: من الأقوى اليوم؟
محور المقارنة عثمان سونكو باسيرو فاي
سونكو : الشرعية الشعبية قوية جدًا – زعيم ثوري
افي : شرعية مقبولة – رئيس توافقي
الموقع الدستوري
رئيس وزراء – تابع للرئيس
رئيس الجمهورية – صاحب الكلمة النهائية
سونكو : النفوذ في الحكومة واسع – يسيطر على مفاصل القرار جزئي – معتمد على التوازن
الدعم الدولي متذبذب – حساس تجاه خطابه الثوري
الرئيس افاي: نفوذه مستقر – مقبول لدى الشركاء الغربيين.
سونكو : الخطاب السياسي تصعيدي، تعبوي
الرئيس افاي : الخطاب توافقي، عقلاني
سونكو : المخزون المؤسسي محدود – جديد على الدولة
الرئيس سونكو : المخزون المؤسسي أكبر – مدعوم من دوائر قديمة
النتيجة الواقعية:
– سونكو هو الأقوى في الشارع، لكنه يفتقر إلى عمق دولي يحميه في لحظات الأزمات.
– فاي يمتلك مفاتيح القرار، وشرعية دولية ومؤسسية تجعله أكثر قدرة على الصمود في المدى البعيد.
انفجار أم احتواء؟
السنغال اليوم تقف على مفترق طرق حاسم:
إما أن تتحول هذه الثنائية إلى نموذج ناضج للتناوب والتكامل،
أو تتكرّر مأساة 1962 بصيغة جديدة، يكون فيها أحد الرجلين قربانًا لنظام لم ينضج بعد على استيعاب التعدد داخل السلطة.
والسؤال الحقيقي لم يعد من الأقوى؟
بل هل يمكن لاثنين قويّين أن يتقاسما الحكم في دولة اعتادت الحكم الفردي؟
ويبدو الرئيس باسيرو وقد حشره سونكو في الزاوية بقوله أنه لن يستقيل وعلى الرئيس أن يقيله إن أراد؟
فهل سيتعايش باسيرو كرئيس ضعيف مع سونكو الذي يدعي كمال القوة ؟
أم سيقيله ليتدحرج الخلاف إلى مستوى الصراع ؟
والسنغال بحاجة ماسة للاستقرار السياسي لا للدخول في داومة الصراع الناعم والخشن على السلطة .
فهل ستنتصر الحكمة على التهور ؟