بيرام الداه اعبيد بين خطاب المظلومية وممارسة الابتزاز السياسي
تثير تصريحات النائب بيرام الداه اعبيد الأخيرة، عقب إقالة الأمين العام لحركة إيرا حمادي ولد احبوس، موجة جديدة من الجدل السياسي الذي اعتاد بيرام صناعته وتغذيته عند كل محطة يراها تهديدًا لمصالحه الشخصية أو لاحتكاره لخطاب الحقوق والحرمان. فالرجل الذي يقدم نفسه بوصفه مناضلًا حقوقيًا لا يتوانى عن استخدام كل أدوات التأزيم والتصعيد حينما يرى أن موقعه في المعادلة السياسية مهدد، حتى لو اقتضى الأمر ضرب كل القواعد التي يدّعي الدفاع عنها.
تصوير إقالة حمادي على أنها “مؤامرة من أعلى المستويات” ضد مشروع بيرام السياسي، فيه الكثير من المبالغة، وقليل من الصدق. الواقع أن من يتم تعيينه في موقع إداري هو موظف عمومي، خاضع للمساءلة والمحاسبة، وليس امتدادًا شخصيًا لزعيم سياسي يريد الاستحواذ على المؤسسات وإخضاعها لأجندته. وإذا كان بيرام صادقًا في حديثه عن الكفاءة والنزاهة، فليقدّم للرأي العام سجلًا إداريًا ناصعًا لحمادي، بدل الاكتفاء بخطاب المظلومية والتحدي.
المفارقة الصارخة في حديث بيرام تكمن في إدانته لتعيين شخصيات من الحراطين في مواقع القرار، كأنما يُغضبه أن يُفتح المجال لغيره من هذه الشريحة للمشاركة في إدارة الشأن العام. يرفض أن يُعيَّن مسعود أو بيجل أو غيرهما، لأنهم لا يسبحون في فلكه، وهذا في حد ذاته تجسيد للعقلية الإقصائية التي يدعي بيرام أنه ضحيتها. بيرام يريد أن تكون كل رموز الحراطين تحت عباءته، وكل صوت مستقل خيانة.
أما رفضه للحوار بوصفه “عبثيًا”، فهو امتداد لموقف ثابت عنده: إما أن يكون الحوار على مقاسه، يدور حول شخصه وطموحه، وإما فهو لا يستحق العناء. هذه الذهنية التي تضع الذات فوق المصلحة العامة تُفرغ أي جهد سياسي من مضمونه، وتحوّل النضال من أجل الحقوق إلى معركة من أجل الامتيازات.
لقد بات من الواضح أن بيرام لا يواجه نظامًا سياسيًا بقدر ما يواجه خيبة مشروع شخصي لم ينجح في اختراق الدولة أو فرض نفسه كرقم لا يمكن تجاوزه. وكلما فشل في ذلك، عاد إلى المربع ذاته: خطاب الاضطهاد، التشكيك في نوايا الدولة، واتهام كل من لا يوافقه بأنه عميل أو متآمر. وهو سلوك يضر أكثر مما ينفع، لا سيما لقضية الحراطين التي تحتاج اليوم إلى تنوع في الطرح، لا إلى احتكار وتمصلح.
ختامًا، لا أحد يطالب بيرام بالصمت، لكن الرأي العام لم يعد يشتري بضاعة المظلومية المتكررة والممزوجة بالمصلحة الشخصية، كما أن الدولة لم تعد تقف مكتوفة اليدين أمام من يحاول توظيف مؤسساتها لتكريس الزعامة باسم الحقوق، فيما هو في الواقع لا يعدو كونه زعيمًا مرتزقًا يحترف التصعيد حين يجف حبر الصفقات.
المختار اعبيد قيادي سابق في حركة إيرا والمدير الناشر لموقع الخبر اليوم