هل طاقة الهيدروجين الأخضر وهم ؟* *وأي عرض اسثماري موريتاني يلزم تجهيزه للعالم
ما صرح به الرئيس ترامب حين وصف طاقة الهيدروجين بالوهم ؛ أحدث لاشك صدمة عالمية لأنصار طاقة الهيدروجين الأخضر حصريا .
لكنه موقف يحتاج لتحليل من زوايا سياسية و اقتصادية وتقنية وتجارية حتى يكون تقييم موقف ترامب موضوعيا.
آمريكا صاحبة أعلى معدل تلويث عالمي للبيئة تجاوز أكثر من نسبة 23%من الكربون من إنتاجه عالميا
وصاحبة أعلى معدل مديونية سيادية بلغت 36 ترليون دولار
وصاحبة أكبر عجز تجاري مع شرائكها العالميين .
امريكا التي تعمل بعيقدة استراتيجية ترى من الصين منافسا أوحد على صدارة العالم
امريكا المتخلفة عن الصين في سوق تكنلوجيا الطاقة المتجددة التي هي أساس التحول الطاقوي الأساسي لأنتاج طاقة الهيدروجين الأخضر ؛ تجد نفسها مكرهة على خلق منافسة تجارية مختلفة تحاول من خلالها امريكا ترامب الحد من سرعة اندفاع العالم نحو الطاقة الخضراء لأن ذلك ليس لصالح امريكا أولا ؛ إذ لم تعد تهيمن على سوق الطاقة المتجددة الخضراء مصادر تصنيع وتقنيات ؛ عكس وضعها في سوق الطاقة الكربونية ؛ بترول وغاز ؛ حيث تدمج امريكا نفوذها السياسي والعسكري العالمي بنفوذ شركاتها الكبرى في مجال التنقيب والاستخراج الأحفوري وحيث تستغل بتأثير أكبر مخزوناتها الاستراتيجية الضخمة من النفط ومشقاته والغاز .
ولا يعني ذلك إهمالها للطاقة الخضراء.
فلدى امريكا حضور في سوق الطاقة الشمية والرياح والهيدروجين الأخضر وتمتلك شركات وأسهم في شركات تنشط في نفس المجال عالميا.
لكن ترامب يستند أيضا إلى بيانات اقتصادية عالمية مصدرها البنك الدولي وشركات عالمية طاقوية معتبرة ترى أن التحول الطاقوي الأخضر للعالم يحتاج تحقيق نمو اقتصادي عالمي هائل يضاعف الاقتصاد العالمي سبع مرات ليتمكن العالم من توفير تمويل طاقوي أخضر يقدر بمئات التريليونات من الدولار .
30 بليارا منها يحتاجها العالم في أفق 5سنوات القادمة ؛ وهو رقم غير قابل للتحقيق.
فالاقتصاد العالمي يواجه تباطؤا أكبر وقلقا تعززه عودة الحرب التجارية التي دشنها ترامب برسومه الجمركية والانسحاب الآمريكي من أغلب المنظمات الدولية والتنموية الذي سيزيد هذه المرحلة الاقتصادية تعقيدا .
فهل على العالم أن يصدق ترامب وأن يلغي فكرة الطاقة الخضراء مطلقا؟
كلا.
فالطاقة الخضراء لا تعني فقط إنتاج الهيدروجين الأخضر ؛ وإنما رفع الإنتاج من الطاقة المتجددة الكهرومائية وطاقة الشمس والرياح والطاقة الصادرة من باطن الأرض والطاقة الحركية في الطبيعة.
كما أن إنتاج الطاقة الكهربائية بمصادر منخفضة الكربون ورخيصة كالغاز أمر مهم وحيوي.
وتقدر الوكالة العالمية للطاقة حجم الإنفاق الاستثماري في الطاقة المتجددة عالميا عام 2024 ب 371 مليار دولار أوصلت الإنتاج العالمي من الطاقة المتجددة ومنخفضة الكلفة إلى 530 غيغاوات ؛ وهو معدل غير كاف للعالم.
فما الذي علينا في موريتانيا التركيز عليه كأولويات طاقوية ؟
وماهو العرض الاستثماري الموريتاني المناسب للعالم؟
علينا أولا وعي أن كثيرا من الدول الصناعية الكبرى قد يقدم رؤية سلبية اتجاه الطاقة الخضراء لأسباب منها:
* موقف سياسي لصناعة مصالح اقتصادية آنية مع قوى كبرى ( كتقرب اليمين المحافظ الألماني من ترامب على حساب برنامج استراتيجي طاقوي ألماني أخضر متقدم على كل الاتحاد الأوروبي)
* عدم وجود مساحات كافية لبناء محطات إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح
* عدم وجود مناخ مناسب يضمن استدامة مصادر تلك الطاقة
فهي مرتبطة بمناخ يؤثر عليها تذبذبه
* ارتفاع التكاليف بما فيها تكلفة النقل إلى الأسواق العالمية ( تخزين ونقل الهيدروجين الأخضر )
* الحروب التجارية التي تفرض سياسات ظرفية وإكراهات اقتصادية وأولويات دفاعية كالحال الآن في أوروبا
وأغلب هذه الأسباب لا تنطبق على موريتانيا.
لدينا المساحات الكافية لبناء محطات طاقة الرياح وطاقة الشمس
ولدينا أسوق الطاقة القريبة
ولدينا طرق النقل الأقل تكلفة والقريبة نظريا من مصادر استيراد البنية التقنية لمشاريع الطاقة المتجددة.
ولدينا عامل جديد مهم جدا هو عامل الغاز .
كما أن المحفزات المهمة للاستثمارات الطاقوية المتجددة ومنخفصة التكلفة لدينا كذلك.
فالمجال التعديني النفيس متوفر بكثرة ؛ والمجال الصناعي الرديف له سيكون ناجعا في خلق قيمة مضافة عظيمة ومحافظ استثمارية جذابة
فلدينا قدرة حقيقية على المنافسة على سوق الاستثمار العالمي بما نمتلك من أصول منجمية ثمينة وآفاق اقتصادية استراتيجية.
وعلينا مباشرة إعداد عرضنا الاستثماري الطاقوي والصناعي والخدمي عالي الجاذبية والربحية ؛ مبتعدين عن فكرة الاقتراض وتحمل الديون ؛ إذ علينا تضمين عرضنا خيارات تمويلية معروفة عالميا ؛ تضمن فيها الأصول المستثمرة غلاف الاستثمار والأرباح .
ويجب أن لاةتقل حصة موريتانيا من صافي الأرباح عن 51% و49%للشريك الاستراتيجي الذي سيتولى ابتكار آلية التمويل عبر إدخال شركات استثمار منتجة وأخرى خدمية عالية التصنيف.
مع إتقان بند الحوافز في مدى العقد وأفق تجديده وفترة السماح وغير ذلك .
على أن يتشكل الطرف الموريتاني في الشراكة الاستثمارية من القطاعين العام والخاص حسب نسبة وتناسب تحدد الحكومة فيها حصة القطاع الخاص من 51% التي هي خاصة بالطرف الوطني.
إن حصة الحكومة يغطيها منح الامتياز الاستثماري وليس على الحكومة دفع أو تحمل أي أموال في رأس مال الشركة الاستثمارية .
وهذا يتطلب تعديلا قانونيا في مدونة الاستثمار .
مع تحديد الشركاء المفترضين الذين نستهدفهم بالعرض الاستثماري الاستراتيجي لبلدنا بترتيب حسب الأولويات الأفضل لبلدنا
إن مشاريع ذات الأولولية الاقتصادية في مورتانيا متوفرة في كل جهات موريتانيا ؛ ويمكن نظريا تقسيم موريتانيا إلى ثلاثة أقاليم استثمارية ؛ يضم كل إقليم منها ثروات طبيعية سطحية وفي الأعماق وثروات متجددة هائلة
1 إقليم الشمال وهو إقليم الذهب والحديد والنحاس واليورانيوم وبه أكثر من 700مؤشر للثروات الطبيعية منها البترول والغاز والأحجار الكريمة والمواد النادرة ؛ وبه نسبة 70% من المجال الطاقوي المتجدد ( شمس ورياح)
ويضم ولاية تيرس زمور وولاية آدارار وتكانت واينشيري وأقساما من ولاية الحوض الشرقي وداخلت انواذيبو
والأولوية فيه للاستثمار في مجال إنتاج الكهرباء لتفعيل الصناعات المصاحبة للنشاطات الاستخراجية للخامات المنجمية خاصة الحديد
وسيكون استثمار 1.5 مليار دولار كافيا لبناء محطات كهرباء تعمل بالغاز ومحطات طاقة رياح وطاقة شمسية مجموع إنتاجها مابين 1200ميغاوات إلى 1500ميغاوات.
ومشروع خط مياه الشمال
ثم مشاريع استثمارية عالية الربحية هي
* ميناء عالمي متعدد الأقسام جنوب انواذيبو خارج شبه جزيرة انواذيبو
* ربط سككي داخل موريتانيا ومع الجزائر وغرب افريقيا ودول جنوب الصحراء يصل مدينة خاي المالية
* ربط كهربائي وغازي مع الجزائر
2 الإقليم الساحلي والنهري في الغرب والجنوب
ويضم أقسام من داخلة انواذيبو واينشيري ومنطقة انواكشوط وولاية اترارزه والولايات النهرية
وهو إقليم البنية التحتية البحرية والمناطق الصناعية ومحطات أخرى لإنتاج الكهرباء بالغاز وموانئ التحكم في الصيد البحري والصناعات الغذائية الخ
وهو كذاك إقليم الغاز والبترول في منطقتنا الاقتصادية البحرية الأطلسية
وسيكون تعميق النهر وتوسيع ميناء انجاكو وتشغيله كميناء دولي آخر ضروريا ومربحا
وهذا إقليم الثورة الزراعية الذي بعول عليه في استقطاب استثمارات عالية
وفي نفس الإقليم ثروات منجمية ثمينة لم تسبر كليا غير الفوسفات الذي بدأ العمل فيه مع شركة هندية والتربة النادرة
3 إقليم الشرق والوسط
وهو إقليم يضم أجزاء من ولاية لبراكنه وتكانت ويصم لعصابه والحوض الشرقي وأجزاء من ولاية الحوض الشرقي
وهو إقليم الثروة الحيوانية والمعادن النفيسة والزراعة كذلك
ومنه تمر عقد الربط السككي إلى غرب إفريقيا ودول جنوب الصحراء.
وبه القسم الأكبر من حوض تاودني الرسوبي الغني بالبترول والغاز والمعادن النفيسة؛ والذي سيخفض تكلفة الاستخراج فيه وجود ربط سككي وميناء حديث مرتبط بكل مناطق التعدين والاستخراج في ولايات الإقليم .
وربط كهربائي وطني.
خريطة طريق استثمارية مختصرة تمكن المخطط الوطني من تصميم عروض استثمارية جذابة ودرسات جدوى دقيقة تثبت أن موريتانيا قادرة على استقطاب واستيعاب استثمارات استراتيجية مضمونة المردودية العالية قد تتجاوز في دفقها الأول 30مليار دولار ؛ ستخلق أصولا ثابتة وتعززها تفوق قيمتها 1ترليون دولار.
هذا إلى جانب القيمة التي سترتفع لعائدات قطاعات الخدمات في بلد هو في منتصف طرق العالم البرية والجوية والبحرية .
بلد مستقر سياسيا .
إن موريتانيا مرشحة لاحتلال الرقم واحد افريقيا في احتياطات البترول والغاز بما تمتلك من حقول بحرية وبرية لم يتم استكمال مسحها بعد .
كما تحتل موقعا عالميا متقدما في الثروات المنجمية النفيسة والعناصر النادرة والثروات البحرية
وتحتاج لتقديم عروض استثمارية ممتازة ؛ عروض خبرة تسويقية وخبرة في بناء أدوات التمويل بالشراكة مع صناديق سيادية عالمية وشركات موثوقة
ومن المناسب أن تكون الأولويات للجزائر خاصة في إقليم الشمال الاستثماري .
مركز دعم صناعة القرار الوطني
بقلم رئيس المركز الخبير الاستراتيجي عبد الله ولدبونا
25فبراير 2025