التوازن غير المتوازن ليس من مصلحة موريتانيا*
استمعت مليا لرد الناطق باسم حكومتنا الموقرة على سؤال متكرر يبعث على الضجر أصلا عن موقف موريتانيا من القضية الصحراوية ؛ وهو سؤال يجب أن لا يطرح ؛ فمجرد طرحه المتكرر يبعث رسالة مضللة للرأي العام وللعالم أن مواقف موريتانيا الثابتة يمكن أن تغير بأدنى سبب .
ويعود ذلك للحملات المغرضة التي يطلقها المغرب ويروج فيها لأكذوبة تغيير موريتانيا لموقفها المعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ؛ والتجاهل الموريتاني الرسمي لتلك الحملات بحجة التوازن !
وأرى أن هذا السؤال النمطي المتكرر كالجواب النمطي المتكرر عليه ؛ فكلاهما ممل وقاصر.
لا غضاضة أن يكون هناك موقف سياسي موريتاني يدعو للسلام والحل الأممي للقضية الصحراوية ؛ ولاغضاضة أن تحرص موريتانيا على علاقات رسمية ودية مع الجميع أو من يرغب منهم في ذلك ؛ لكن اعتماد مصطلح التوازن فيما هو غير متوازن على حساب مصلحة موريتانيا العليا هو نقيض التوزان.
نحن في موريتانيا نبحث عن شركاء في التنمية مؤهلين اقتصاديا لذلك ؛ ولاوجه للمقارنة بينما يمكن أن نصنع من شراكة تنموية واستثمارية مع الجزائر وما يمكن أن يتحقق من ذلك مع المغرب.
المغرب مثلنا يبحث لدى نفس العناوين التي نبحث عندها عن التمويل والاستثمارات : البنك الدولي والبنك الإسلامي والبنك الإفريقي للتنمية والصناديق السيادية الخليجية وبرامج التنمية الأوروبية والآمريكية وبقية “الشركاء العالميين “.
والجزائر خارج دفاتر الديون والمساعدات الدولية.
المغرب يعاني من مديونية هائلة تزيد عن 100مليار دولار ؛ وهو تحت ضغط اقتصادي هائل وينتهج سياسات إكراهية لترشيد الإنفاق وتحرير السوق ؛ والجزائر تنتهج سياسة اقتصادية غازية وغير غازية حرة وانفتاح اقتصادي مكنها من رفع مؤشرات عائداتها غير الغازية وتنشيط اقتصادها الذي هو ثاني أكبر وأقوى اقتصاد إفريقي ؛ وتلتقي معها موريتانيا في كثير مرتكزات البرامج الاقتصادية القابلة للتنفيذ ؛ وليس بيننا والجزائر حيز به نزاع سيادي ولا قوات مونرسو ولا 15مليون لغم أرضي.
فهل من التوازن أن نضيع فرصة التكامل الاقتصادي مع الجزائر حتى نظل “متوازنين” في نظر المغرب !
لا وجود لدولة في العالم تضيع مصالحها العليا مع دولة جارة وازنة سياستها نبيلة جدا اتجاهنا ؛ كي لا تغضب دولة أخرى ليست جاره ولامصالح اقتصادية استراتيجية معها ؛ وأدبياتها السياسية تنضح توسعا و سلبية ضد الجميع.
موريتانيا بلد ثري جدا بمقدراته وبه فرص عظمى للاستثمار ونستطيع موريتانيا في 10سنوات التحول إلى أغنى بلد عربي إذا أبدعت في تسويق محتواها الاقتصادي واستغلال موقعها الجيو سياسي أكمل استغلال.
إن علينا في موريتانيا المبادرة لصناعة مصالحنا المشتركة مع من هو كفء لذلك ؛ ولن نحد شريكا استراتيجيا كامل المواصفات قريب جدا منا كالجزائر.
غير ذلك تكتيك سياسي أفلاطوني لاقيمة له ؛ ولايجدي في حاضر بلدنا ولا مستقبله.
ومنطق التوازن غير المتوازن لم يعد يصدقه أحد .
لا تضيعوا الفرصة الذهبية مع الجزائر ؛ ولاتعولوا على المغرب فيما لا يستطيع ولايريد تحقيقه أصلا ؛ فتنمية موريتانيا وازدهارها لا يدخل في أولويات المغرب؛ وأجمل أمنيات المغرب أن تظل موريتانيا أسيرة ضعفها وفشل برامج إقلاعها الاقتصادي.
ولاتجاملوا على حساب مصالح بلدنا العليا مهما كان الثمن
فالفرص الكبرى لا تتكرر مرتين.
الكاتب والباحث الاستراتيجي الموريتاني
عبد الله ولد بونا.
19فبراير 2025