هل برز فكر حكومي مختلف منذ تولي ولد اجاي الوزارة الأولى

كانت نخبة موريتانيا ترى أن المأمورية الأولى للرئيس ولد الغزواني سيغلب عليها ترتيب البيت الداخلي للنظام والحزب ومعالجة الأولويات الاقتصادية والاجتماعية تمهيدا لمأمورية ثانية ستكون مأمورية إصلاح جذري وتطهير للحكومة والإدارة من الفساد ومأمورية نهضة تنموية كبرى لموريتانيا ؛ ومأمورية تحول وانتقال آمن وسلس للسلطة بتعزيز روح الديمقراطية وثقافة المواطنة .

لقد كان الإرث السياسي من العشرية بالغ التعقيد ؛ وكان معقولا أن يرمم النظام نفسه .

لكن مسار الأحداث لم يكن كما يفترض أن يكون.

النظام لم يرمم ذاته ولم يتم إصلاح الحزب الحاكم ؛ بل برزت نتوءات نفوذ تسعى لتشكيل أقطاب متتافرة .

وانعكس ذلك سلبا على الحكومة والإدارة والأداء ؛ فلم تشهد موريتانيا استقرارا حكوميا لابد منه رغم تجديد الثقة مرات في الوزير الأول السابق ولد بلال ؛ وكأن جميع الأحلاف المشكلة لخنادق الحزب الحاكم تصر على الوقوف في طابور الحقائب الوزارية بمعدل متوسطه 6إلى 9أشهر؛ مع احتفاظ شخصيات معينة بحقائب وزارية دائمة دون استحقاق سياسي واضح المعالم ؛ فلا هم حققوا نقلة نوعية لقطاعاتهم ؛ ولا وزن انتخابي مؤثر لهم ولا خبرة وسجل إنجاز ؛ هم هناك فقط لسبب ما هو محل تكهن من المدونين !

حلت المأمورية الثانية وهاهي تنوء بإرث ثقيل من الخمسية قبلها ؛ وما قيل أنه تغيير جذري كان يعول عليه لم تبرز ملامحه بعد.

الوزير الأول الجديد القديم في النظام لم يقدم فكرا حكوميا وإداريا جديدا على قدر التحديات وعلى قدر برنامج الرئيس الإصلاحي للوطن.

إن المتمعن في مرتكزات الخطة الحكومية التي اعتمد السيد ولد اجاي لن يجد فيها جديدا يذكر !
* إعادة هيكلة حكومية تدمج وزارات وتشكل أخرى مستجدة دون أثر لذلك على جوهر الأداء الحكومي
* تجريب المجرب في تشكيل اللجان الحكومية المشتركة المؤقتة للتعاطي مع مشاكل مزمنة
* قرارات تنظيمية تبدو جذابة شكلا لكنها في جوهرها لا تقدم حلا مستداما
* الحلول الجديدة لعقد قطاعات عديدة هي بذاتها تخلق مشاكل أعمق إذ أن عدم مراعاة الجانب الاجتماعي لأي تغيير هيكلي حكومي يعد قاصرا لأنه يعرض آلاف المواطنين لفقدان أسباب عيشهم دون خطة بديلة
* تسييس الإدارة الحكومية أكثر لتفقد معيارتها ومصداقيتها لدى المواطن وتغيب الكفاءة مقابل التعيين السياسي لعديمي الخبرة والأهلية

ولاشك أن لاداء الوزير الأول نقاط إيجابية ؛ لكنه لم يثبت أهليته لقيادة الحكومة في هذه المرحلة حتى الآن .

مع أنه لاشك يواجه إكراهات سياسية كبرى فهو وإن نجح في اكتساب ثقة الرئيس إلا أنه لم ينجح في اكتساب ثقة مراكز نفوذ وازنة من حوله ولا اكتساب ثقة النخب الوطنية ولا غالبية الرأي العام.

وفي المحصلة سيخصم ذلك من نقاط رئيس الجمهورية الذي ضيع عليه فريق عمله المقرب وقتا سياسيا ثمينا في المأمورية الأولى ويخشى أن يضيعوه في المأمورية الثانية.
وستكون الخسارة السياسية أكبر إذا قاد السيد ولد اجاي حوارا سياسيا وطنيا يقبل التأسيس على غير المشترك الوطني العام.
فأي طرف يؤسس مشاركته على نواة فتنة أو مساس بسيادة الوطن وثوابته أو على مايناقض الدستور ؛ يجب أن يستبعد من طاولة الحوار مهما صرخ وفجر في الخصومة.

إننا في مركز دعم صناعة القرار الوطني نخشى أن يضيع من الرئيس والوطن وقت ثمين لايمكن تعويضه إذا لم تتم مراجعة استراتيجية لما يجري قبل فوات الأوان ؛ مراجعة تفضي إلى تغيير حكومي جذري يقود كل المرحلة إلى 2029 بمسؤولية ووعي ؛ حكومة مهمتها تنفيذ برنامج الرئيس بحزم ومصداقية لا الانشغال بالدعاية السياسية والتفكير في وراثة كرسي الرئاسة .

إن برنامج الرئيس للإصلاح الشامل لم ينفذ بعد بل لم يبدأ حتى الآن ؛ ومايعلن عنه من إصلاحات هو مجرد مناورة تكتيكية لمن تعودوا ذلك.

وإذا اتجهنا إلى الحوار والاستحقاقات مابعده ؛ فيسغرق بلدنا أكثر في مستنقع سياسي هو السبب في كلما نحن فيه من تنابز وصراع واصطفاف لايخدم مصالح الوطن واستقراره ولحمة جبهته الداخلية .

فلتسقط حكومة ولد اجاي حتى لا تسقط معها الرئيس والوطن .

مركز دعم صناعة القرار الوطني
بقلم: الخبير الاستراتيجي عبد الله ولد بونا
19فبراير 2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً