بائعات السمك بسوق مسجد المغرب وتأثيرات كوفيد19

دأبت زينب وعيشة السالمة أن تكون بداية يومهما مسابقة الريح في المسافة الجغرافية الممتدة بين ميناء الصيادة المعروف محليا بـ”گچ” وسوق السمك المعروف بـ”مرصة مسجد المغرب” ومع بداية انتشار كوفيد19 في موريتاني بدأ هذا الروتين الذي كان يقوم عليه معاشهما بالتلاشي واضع حدا لمصدر رزق سيدتان تعيلان أسرتين متقاربتان من حيث عدد أفراد كل منها، فزينب أم لطفلين تعيلهما من عرق جبينها وكدحها في سوق مسجد المغرب، أما عيشة السالمة فهي أم ومربية لثلاثة أيتام صغار فقدوا والدهم( صياد تقليدي) في عرض البحر جراء اصطدام زورقه بإحدى سفن الصيد الكبيرة..

تقول زينب (41 عاما): “كبائعات للسمك في سوق ينتعش بالزحمة ويضعف دخله بقلة الرواد تضررنا جدا من كوفيد 19، وضاقت بنا السبل، فبصفتي معيلة لأسرة ذات دخل وحيد أضرت بي الجائحة جدا، حيث يقوم نظام سوقنا على التنقل في الصباح الباكر إلى الشاطئ لحجز مكان في انتظار عود زوارق الصيادة، وبعد إجراء معاملات البيع معهم نعود زوالا إلى مركز المدينة حيث نتجه إلى سوق مسجد المغرب لعرض بضاعتنا، إذا غالبا ما يكون وقت ذروة البيع مساء، أي تحديدا حدود السادسة، وهو ما يتعارض مع توقيت الإغلاق أنذاك بالإضافة إلى التباعد الاجتماعي اللذين أضرا جدا بانتعاش سوق السمك، بل إننا وفي ظرف كهذا اضطررنا إلى التوقف إستيراد السمك من الشاطئ أغلب أيام الأسبوع ونكتفي بتبريد القليل من السمك الذي قد لا يحظى بفرصة عرضة في السوق”

في ظل ظرف كهذا يرى الخبير الاقتصادي الحسين محمد عمر أن نسبة الفقر في موريتانيا تتراوح بين 30% و 70% ، نسبة تتغير حسب المناطق الجغرافية، ففي المناطق الريفية يكثر الفقر ، وتقل النسبة في نواكشوط حيث الانشطة الاقتصادية الأكثر قدرة على جلب مداخيل تساعد في المعيشة اليومية، ومن خلال إسقاط هذه الإحصائيات على مدى تأثير كوفيد 19 على سوق بيع السمك بمسجد المغرب يصرح الأستاذ الحسين قائلا:

” إن النشاط الاقتصادي لبائعات السمك يدخل في إطار النشاط الاقتصادي غير المصنف، وهذا النوع من الانشطة الاقتصادية درجة انكشافه على العوامل الخارجية عالية جدا، وهذا تماما ما حدث أثناء الاغلاق مع اشتداد أزمة كوفيد 19.
ومع أنه ليست هناك إحصائية للنساء معيلات الأسر من بائعات السمك، إلا أن هذه الأزمة أبانت عن هشاشة كبيرة لهذا النشاط، حيث كان الإغلاق يبدأ أحيانا السادسة مساء وهو وقت الذروة في نشاطهن، وبات يقتصر وقته على أول اليوم، ما تسبب في تراجع هائل في مداخيلهم وصلت حسب تقديرات غير رسمية إلى ما بين 60% إلى 70% من مجموع ما يجنينه في الأوقات العادية.
هذا التقليص الذي حدث تسبب في حالة اقتصادية مزرية، فغالبا بائعة السمك تخرج فجرا من منزلها لجلب السمك ودخلها اليومي هو ما ستصرف منه على أبناءها، معيشتهم وتعليمهم.

جانب آخر إضافة إلى الإغلاق-يقول الحسين- تسبب في تدهور الحالة الاقتصادية لبائعات السمك، وهو عدم حصول بعضهن على المساعدات الاجتماعية التي قسمتها الحكومة الموريتانية، فهن مضطرات للذهاب باكرا لكي يحظين ببيع بعض سمكهن صباحا، بالتالي لا يكون لهن الوقت للانتظار في طوابير طويلة للحصول على مساعدات غير مضمونة، بالاضافة إلى الفساد والمحسوبية الذي طبع تلك العملية.

غير بعيد من زينب، تسرد لنا عيشة السالمة (47عاما) قصتها مع التأثيرات الاقتصادية لكوفيد19 على مصدر رزقها كبائعة سمك في سوق مسجد المغرب قائلة:
“هنالك تداخل كبير بين جوانب الحياة وقد أثر كوفيد19 جدا في كل جوانب حياتي اليومية، الاقتصادية والاجتماعية، فأنا أعيل ثلاثة توائم بعد رحيل والدهم جراء غرق زورقه بفعل اصطدامه بسفينة كبيرة.
أنا الوحيدة القائمة على ظروف تعليم أبنائي وكل متطلبات حياتهم اليومية ومع الإغلاق وجدت في وضع لا أحسد عليه حيث أصبحت المعونات التي يساعدنا بها الأقارب والمعارف هي نقطة ارتكاز وضعي الإقتصادي، لقد تخليت بشكل شبه كلي عن عملي واستأجرت مكاني في السوق لبائع مبيدات حشرية فلم أعد أقدر على تسديد الإيجار ولا دفع الضرائب الموسمية للحكومة.
لقد قلب كوفيد 19 حياتنا-على بساطتها- رأسا على عقب وأفسد كل مخططاتنا المستقبلية، فقد كنت أفكر في تطوير عملي من مجرد طاولة لبيع السمك في دكان صغير بسوق مسجد إلى مسمكة كبيرة في أحياء “الترحيل” وكنت أنوي أن أدخر بعض المال لهذا الأمر، لكن كان للجائحة رأي آخر، رأي سلبي بطبيعة الحال وقد أرخى بسدوله علينا وأحالنا إلى ظرف لا نحسد عليه.

استفادت عيشة السالمة من مساعدات مالية نظمتها المندوبية العامة للتضامن “تآزر” لصالح ثلاثين أسرة من الأسر الأكثر هشاشة، وخصوصة تلك التي تعيلها نساء، وفي هذا السياق استطاعت في أواخر 2021 أن تستأنف نشاطها كبائعة سمك، ومنه استعادت حلمه بإطلاق مشروعها الشخصي المتمثلة بمسمكة كبيرة في حيها الواقع ب”ترحيل” ملح.

أثرت جائحة كرورنا على جميع جوانب الحياة الاقتصادية في موريتانيا غير أن بائعات السمك، ومثلهن بائعات الكسكس هن أكثر من تعرضت مداخيله للتدهور وتأثرت حياته اليومية بفعل أزمة كوفيد 19، نظرا لعوامل كثيرة منها عدم تنظيم القطاع غير المصنف في موريتانيا وغياب الدعم السريع والكافي خاصة في ظرفية كظرفية كوفيد19، بالاضافة إلى عدم مراعاة الحالة الخاصة لهن ومنحهن استثناءات تتلائم مع حالتهن الصعبة، مما كان له الأثر البالغ في حياتهن اليومية وعلى أكثر من صعيد.

محمد محمود محمد البشير

تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً