“المنطقة الحمراء”..كيف يعيش ولد سيد أحمد تحت الأرض
منذ اكتشاف الذهب في موريتانيا عام 2015، من طرف منقبين سودانيين بدأت مناطق موريتانيا الشمالية تستقبل أعدادا وفيرة من الراغبين في الثراء الفجائي، فبدأ حينها التنقيب السطحي بأجهزة الكشف عن الذهب، لكن الكيلوغرامات القليلة الموجودة على السطح سرعان ما نفدت تحت وطأة الرحلات المتتالية للمنقبين، ليدخل التنقيب بعدها مرحلة الحفر، ويلجأ المنقبون إلى حفر الآبار في المناطق المحتمل احتوائها على المعدن الأصفر..ولما توالت الأخبار بحصول منقبين على خامات كثيرة من الذهب، ازدادت أعداد المستثمرين فكانت “تيجريت” و”الشامي” من بين المناطق الأولى التي شهدت انفجارا ديموغرافيا جنونيا في أعداد المنقبين الذين دخلوا المجال بدون خبرات سابقة وبدون أدنى تأطير..تعتمد عملية التنقيب على ثلاثة أركان أساسية هي: المنقب/المستثمر وصاحب ماكينة الطحن و العمال العاديون الذين يحفرون الآبار ليل نهار بالتناوب.
يقول المفيد ولد سيدأحمد وهو عامل لدى أحد المستثمرين : في البداية عملت في هذا القطاع رغبة مني بالثراء، لأن كل منقب ينام وحلمه بأن يصبح ثريا في الصباح الموالي، و يظل في هذه الدوامة إلى ما لانهاية مثلي أنا الآن وآلاف العمال البسطاء في هذا القطاع، والسبب في عدم توقفنا عن الحفر هو أننا لا نستطيع أن نعود لأسرنا بعد الوعود الكبيرة التي قطعنا لهم بالثراء. وربما لا تصديقني إذا قلت لك بأنني أمضي تحت الأرض أكثر مما أمضي فوقها بسبب الحفر المتواصل، فمتاهة البحث عن الذهب إذا كان هنالك ما يسميه المنقبون ب “العرق” لا تتوقف إلا إذا تحطم البئر.. ويضيف : في بداياتي في التنقيب شاركت في الكثير من “رحلات الموت”، لكنني وبعد أن أيقنت أن راتبا دائما ولو كان قليلا أفضل من العمل كمنقب يعمل بالنسبة من عائدات الاستخراج، اخترت أن أعمل كحفار عادي يتقاضى أجرا معينا جراء حفر كل بئر للمنقبين، سواءً حصل الفريق على الذهب أو لم يحصل عليه، أما عن ظروفنا فيكفيك أننا نعمل في مناطق خطيرة وغالبا ما تنفد مؤونتنا ولا نستطيع التواصل مع ممول الفريق لانعدام شبكة الاتصال، فنظل يومين أو ثلاثة نقتات على البسكويت المجفف والماء، هذا ناهيك عن الظروف القاسية وعن احتمال تحطم الآبار في أي لحظة، ضف إلى ذلك أنه قد يتم تسريحك في أي لحظة إذا تأففت من ظروف العمل أو أبديت انزعاجك، أما عن ظروفنا الصحية فلا يخفى على أحد أن ملاك المطاحن يعتمدون على مواد سامة مثل “الزئبق” و “السيانيد” في عملية استخراج الذهب من الخنشات التي نملؤها من الآبار، والتي تذهب إلى ماكينات الطحن لتصفيتها.
تعيش المناطق المحاذية لأماكن التنقيب توترا حادا، بعد التصريحات المتتالية لعدد من الجمعيات الحقوقية تندد باستخدام المادتين السامتين “الزئبق” و “السيانيد” ، في عمليات الاستخراج اليدوي للذهب من طرف المنقبين، ليرفع سكان ولاية “زويرات” شعارات تطالب برحيل ملاك المطاحن عن المدينة رغم أنهم ساهموا في إنعاش الحركة الاقتصادية للمدينة، وزادوا من فرص العمل إلا أن تسجيل حالات خطيرة مرضية خطيرة بسبب هذه المواد السامة كان كفيلا باتحاد الساكنة طلبا لترحيل ماكينات الطحن عن المدينة.
ويقول أمّم ولد بوزومة مؤسس حركة “بيئتي في خطر” : لقد انتعش اقتصاد الولاية مع وفود أكثر من 60 ألف نسمة من المنقبين في ظرف وجيز، لكن هذا التقدم الاقتصادي واكبه تخلف صحي هائل، تمثل في تسجيل ثلاث حالات إصابة بالسرطان على مستوى الولاية، إضافة إلى تسجيل حالات نقص حاد في الأوكسجين لدى الأطفال حديثي الولادة، أما اجتماعيا فقد شكل قدوم المنقبين كارثة حقيقية إذ تم تسجيل أكثر من 1700 حالة زواج مع مجهول لدى مندوبية العمل الاجتماعي، فالكثير من المنقبين يتزوج بإسم وهمي في المنطقة التي ينقب فيها، ثم يهجر زوجته عندما يتحول فريقه إلى منطقة أخرى فيما بات يعرف ب “زيجات أهل الذهب”..ويضيف : في حراك بيئتي في خطر رفضنا منذ البداية تواجد المطاحن في المدينة مما جعل الجهات المعنية تبعدها ثلاث كيلومترات من المدينة، لكننا سنواصل التنديد حتى يتم إبعادها كليا، حتى لو كانت هناك شركات مختصة في التصفية فتأثيرات الاستخراج خطيرة صحيا أحرى أن تكون عملية استخراج الذهب تتم من طرف منقبين عاديين بطرق بدائية، والمتضرر الأكبر في هذه العملية هو العامل البسيط الذي لم يجد بديلا، ففضل العمل بدون عقد تحت ظروف صحية قاسية و رديئة مخافة البطالة.
في عام 2020 تم تأسيس شركة معادن موريتانيا لترخص التنقيب في مناطق عسكرية كانت محرمة منها منطقة “اصفاريات”، و “المنطقة الحمراء”، لكن تلك الإصلاحات الطفيفة على مستوى هيكلة القطاع لم تصاحبها إصلاحات ذات مردودية مباشرة على عمال الحفر والتنقيب اليدوي المعرضين للموت والتسريح في أي لحظة، كما أن عين الجهات المعنية ظلت مغمضة عن الاستخدامات الصريحة للمواد السامة من طرف ملاك المطاحن.
يقول أحمد محمود ولد آبيه الأمين العام لاتحاد المنقبين الموريتانيين: يعيش قطاع التنقيب والتعدين الأهلي فوضوية كبيرة، ولا شك أن العامل العادي هو المتضرر الأكبر من هذه الفوضوية، لكننا أيضا كمنقبين مستثمرين ندفع 300أوقية مقابل كل خنشة لشركة معادن موريتانيا وألفين أوقية لملاّك المطاحن، ونقوم بنقل الخنشة الواحدة مقابل 12ألف أوقية أي مليون ومائتا أوقية مقابل مائة خنشة، نعاني كثيرا إذ أن مخلفات ما نقوم بطحنه يعود لملاك المطاحن مع أننا دفعنا تكاليف نقله وجمركته، وإذا رفضنا أن نعطيهم مخلفات الصخور يرفضون أن يصفوا لنا الذهب مع العلم أن الماكينات تستخرج فقط 30% من الذهب إذا ما أضيف إليه الزئبق، لكنهم يقومون بإعادة تكريره بعد ذلك باستخدام مواد سامة أكثر خطورة بطرق تقليدية لا تراعي معايير السلامة. ويضيف: اتفقنا مع الوالي السابق على إنشاء صندوق لتنمية الولاية والمساهمة في التقليص من نسبة البطالة فيها ب ٥% من عائدات التربة، لكن هذا الاتفاق تم التلاعب به، أما عن ظروف عمال حفر الآبار، فهم محركوا القطاع وهم أيضا الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، إلا أننى أرى أن وعيهم بخطورة المجال ازدادت إذ توقف الكثير منهم عن المشاركة في “رحلات الموت” التي تعتمد أساسا على مسثمر أناني و عمال ليس لديهم ما يخسرونه، وهي رحلات من أجل التنقيب في مناطق حدودية محرمة تعتمد على تجهيز فريق من المنقبين وسيارة دفع رباعي، وتم تسجيل حالات ضياع لمنقبين لا يزالون مفقودين حتى اللحظة، ونأمل في الاتحاد العام للمنقبين أن يتم تحسين ظروف المنقبين وخصوصا عمال الحفر والنقل الذين يعيشون ظروفا قاسية، ويفتقدون أبسط الحقوق جراء انعدام عقود محترمة، ونقابات عمالية جادة و واعية.
اخليهن بوبكر
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا .