الهجرة: معطيات ومحاولة تقديم بعض الحلول بقلم: احمد خطري.
موريتانيا، الدولة العربية ذات الموقع الاستراتيجي، تواجه تحديات متزايدة تتعلق بتدفق المهاجرين من الدول الشقيقة المجاورة. يعتبر التزايد المطرد لعدد الوافدين قضية معقدة تحمل في طياتها أبعادًا اقتصادية، اجتماعية، وأمنية، وتتطلب استجابة شاملة ومتوازنة للحفاظ على الاستقرار الوطني.
أولًا: الوضع الحالي وتحديات الهجرة
1. التأثير الديموغرافي
تشهد موريتانيا تزايدًا ملحوظًا في تدفقات الهجرة، سواء الوافدة إليها أو المنطلقة منها نحو أوروبا والمغرب والجزائر. ووفقًا للإحصائيات، تستضيف موريتانيا حاليًا أكثر من 400 ألف مهاجر من بلدان الساحل الأفريقي، مما يشكل حوالي 10% من سكان البلاد. بالإضافة إلى ذلك، تستضيف البلاد أكثر من 250 ألف لاجئ مالي في مخيم “أمبره” جنوب شرق البلاد.
أفادت الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود (فرونتكس) بأن عدد المهاجرين الذين سلكوا طريق غرب إفريقيا للوصول إلى جزر الكناري ارتفع بنسبة 18%، ليصل إلى حوالي 47 ألف شخص سنويًا، حيث تعتبر موريتانيا نقطة انطلاق رئيسية نحو أوروبا.
2. الانعكاسات الاقتصادية
الهجرة الواسعة تؤدي إلى منافسة شديدة في سوق العمل، ما دفع بعض المواطنين إلى البحث عن فرص استثمارية في الخارج، خصوصًا في المغرب وإسبانيا. تشير التقديرات إلى أن خروج 200 ألف أجنبي بمعدل 100 يورو شهريًا يؤدي إلى نزيف مالي ضخم.
تؤدي هذه الهجرة إلى ضغط على الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والإسكان، خاصة في المدن الكبرى. كما تؤثر على سوق العمل بزيادة العرض، مما قد يخفض الأجور في بعض القطاعات، بينما تسهم العمالة المهاجرة في سد النقص في مجالات حيوية كالبناء والزراعة.
3. التحديات الأمنية والاجتماعية
ازدياد نسبة الجرائم التي يُتهم فيها الأجانب، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 12% من السجناء في نواكشوط من غير المواطنين. كما تشكل الولادات بين الأجانب تحديًا إضافيًا للبنية التحتية الصحية، بالإضافة إلى الخوف من استغلال المهاجرين للظروف السياسية كما حدث في احتجاجات الانتخابات الرئاسية السابقة.
ثانيًا: الحلول المقترحة
لمواجهة هذه التحديات، يجب اتخاذ إجراءات شاملة لتحقيق توازن بين الحاجة إلى العمالة الأجنبية وضبط تدفق الهجرة. تشمل الحلول المقترحة ما يلي:
1. فرض نظام إقامة صارم:
تسجيل جميع الوافدين في نظام إقامة رسمي يتضمن تحديد العناوين وأماكن العمل.
ربط الخدمات الأساسية (الصحة، الكهرباء، الإسكان) بوجود إقامة قانونية.
تطبيق عقوبات مشددة على مخالفي نظام الإقامة لضمان الامتثال.
2. تنظيم سوق العمل:
تحديد القطاعات التي يمكن للأجانب العمل فيها مع إعطاء الأولوية للمواطنين.
تشجيع تدريب المواطنين على المهن اليدوية والمجالات التي يسيطر عليها الأجانب.
إنشاء قاعدة بيانات وطنية للعمالة الأجنبية لمراقبة التوزيع القطاعي.
3. ضبط الحدود وتعزيز الرقابة الأمنية:
تعزيز الرقابة على الحدود البرية والبحرية لضبط تدفقات الهجرة غير النظامية.
تفعيل التعاون الأمني مع الدول المجاورة لمكافحة التهريب.
4. مراجعة قوانين التأشيرات:
وضع سقف سنوي لعدد التأشيرات الممنوحة بناءً على احتياجات السوق.
فرض شروط صارمة على التأشيرات العائلية للحد من الهجرة العشوائية.
5. تحسين التكامل الاجتماعي:
تعزيز سياسات الاندماج الاجتماعي والثقافي للمهاجرين بما يضمن توافقهم مع القيم المحلية.
تنظيم حملات توعية للمواطنين والمقيمين حول الحقوق والواجبات القانونية.
6. تشديد المراقبة على المهاجرين السريين:
اتخاذ إجراءات لمنع موريتانيا من أن تصبح نقطة عبور نحو أوروبا.
تعزيز أجهزة الأمن الداخلي لرصد التحركات غير النظامية داخل المدن الكبرى.
7. الحد من نقاط تفريغ الصيد ومراقبة الموانئ:
فرض رقابة صارمة على نقاط تفريغ الصيد التي يستغلها المهاجرون للانتقال إلى أوروبا.
تفعيل نظام تسجيل دقيق لقوارب الصيد وبيانات الطواقم.
8. إنشاء سياج آمن على ميناء تانيت:
الإسراع في بناء سياج أمني محكم حول ميناء تانيت لمنع تدفق المهاجرين.
تعزيز الحضور الأمني بالميناء من خلال تسيير دوريات منتظمة.
الخلاصة
تُعد معالجة قضية الهجرة مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، إذ ينبغي التوفيق بين الحاجة إلى اليد العاملة الأجنبية من جهة، والحفاظ على الأمن القومي والاقتصاد المحلي من جهة أخرى. إن تعزيز الرقابة الأمنية، وتطبيق نظام إقامة صارم، إلى جانب استراتيجيات تحفيزية للمواطنين، يمكن أن يحقق توازنًا مستدامًا في البلاد.
الاستثمارات في تعزيز الأمن الحدودي، وتقييد الهجرة غير الشرعية عبر الموانئ والنقاط الحدودية، تمثل خطوات ضرورية لضمان استقرار اقتصادي واجتماعي طويل الأمد لموريتانيا.